المادة    
المذيع: هناك قضية أخرى يا شيخ! وهي قضية الحكم بغير ما أنزل الله، فالشيخ الألباني أصدر فتوى عقب عليها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وعقب عليها الشيخ محمد بن عثيمين، وأنتم أيضاً لكم شرح رسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم .. هذه القضية الخلاف فيها لعله يكون واضحاً وجلياً، وهي موجودة حينما يقول الإنسان: من لم يكفر الكافر فهو كافر! فحينما نتكلم عن شخص يحكم بغير ما أنزل الله بناء على فتوى الشيخ ابن باز وفلان وفلان أنه لا يكون كافراً، وعلماء آخرون يقولون: إنه كافر، فكيف يتعامل الشباب مع مثل هذا الخلاف؟
الشيخ: ما تفضلت به ما هو إلا مثال لنفس الحقائق المتقدمة، بمعنى أن الخلاف نوعان: خلاف سائغ وخلاف غير سائغ، حتى بين أهل السنة والجماعة، هناك فرق بين الخلاف وبين زلة العالم، وأنا أعتقد وقد أصبح ذلك لدي يقيناً وتأكدت أن من يشترط فيمن يحكم شرعاً غير شرع الله أن يكون هذا مستحلاً له - أن هذا زلة عالم وليس خلافاً، لا يعتبر خلافاً؛ لأنه تبديل للدين وتغيير للشرع، وإحلال حكم وضعي محل حكم الله تبارك وتعالى، والاستحلال لا يشترط في الكفر، الاستحلال يشترط فيما هو ذنب ليكون كفراً، فنقول: هو الزنا، وشرب الخمر ذنب، لكن لو استحلها كفر، أما الكفر نفسه فلا يقال فيه ذلك.
وأضرب مثالاً واضحاً جداً يوضح هذا، وهو ما ذكره الله تبارك وتعالى عن هاروت وماروت: ((وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ))[البقرة:102] ماذا يقول الملكان؟ ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ))[البقرة:102].
إذاً: المسألة أنهم لا يستحلون، فإن الذي يستحل لا يقول: هذا كفر .. وأنا فتنة، فهو بالعكس يعلم أنها فتنة وحرام وأنها كفر ومع ذلك كفرهم الله تبارك وتعالى، وهذا دليل واضح على أن الكفر بل أكبر كفر -كما هو معلوم- حتى كفر إبليس وفرعون ليس من باب الاستحلال، والله تعالى أخبرنا عن إبليس أن كفره كان حسداً وعناداً له، حينما قاس القياس الفاسد: (( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ))[الأعراف:12]، وكفر قوم فرعون كان بالجحود ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً))[النمل:14] استيقنتها أنفسهم أي: هم موقنون، ولذلك قال موسى عليه السلام: ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ))[الإسراء:102] فهو يعلم ذلك. وقد ذكرت هذا كمثال.
فهناك فرق بين زلة العالم وبين الخلاف، ومع ذلك الإمام العالم المجتهد إذا قال هذا وزل به ثم جاء له أتباع لا نكفرهم، بل لا نبدعهم، لكن نقول لهم: يا إخوان حكموا الدليل، وتأملوا، وأنا حقيقة لما تأملت وجمعت في هذه المسألة لم أر أبدع وأوجز مما كتب الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى، ولذلك تعمدت أن أشرح هذه الرسالة المباركة: تحكيم القوانين ؛ لأن فيها تفصيل ما الذي يكفر من الأنواع، وبشكل لم يسبق إليه.
المذيع: لكن أنت يا شيخ كصاحب علم تستطيع أن تتعامل مع التماس العذر وكذا.. ولكن نحن نتحدث عن شعب كامل، نتحدث عن أناس بشكل كبير يتبعون دولة واحدة أو علماء أو هكذا.. كيف نتعامل مع هذه القضية؟
الشيخ: هذه هي نفس الأولى، فعندما نقول: أيها الناس! هذا الشيخ محمد بن إبراهيم عليه رحمة الله ذكر أنواعاً مكفرة وأنواعاً غير مكفرة، فاعتدلوا، ومن كفر بالجميع أخطأ وخالف الحق، ومن لم يكفر بالجميع أخطأ وخالف الحق، فلابد من نشر العلم، ولا سيما الفتاوى المحررة المنقحة المبسطة، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه وابن القيم، وكلام العلماء السابقين في هذه المسألة واضح ولله الحمد.
بل أنا أقول يا أخي: حقيقة -وهذا مما نغبط عليه- مناهجنا الدراسية ممتازة ولله الحمد، وقد حدثني بعض الإخوة من مصر كانوا زملاء لي في الجامعة، قالوا: لو درسنا مناهجكم ما كان لدينا غلو، قلت: كيف هذا الكلام؟ وهم كانوا يدرسون معي في الجامعة، قالوا: نحن في مصر إذا سمعنا كلمة كفر، قلنا: كفر، فمثلاً: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} قلنا: كفر، أو {من حلف بغير الله فقد كفر} قلنا: كفر، أي: خارج من الدين، لكننا وجدنا في مناهجكم -حتى في الابتدائي- أن الكفر أنواع. والنفاق أنواع، فالحمد لله أبناؤنا ضبطوا هذا الموضوع.
وأنا لا أقول: العلم كثير، بل قد يقل، لكن أنا أقول وأؤكد أن هناك قدراً من الهوى يطغى على العلم، نسأل الله العفو والعافية.